الحلقة الثامنة: كيف ينتشر السرطان
السرطان البدئي والسرطان الثانوي Primary and secondary cancer:
السبب الأساسي الذي يجعل من السرطان مرضاً صعب الشفاء هو أنه يستطيع الانتشار إلى مناطق أخرى من الجسم بعيداً عن مكان نشوئه. السرطان الذي ينمو في المكان الذي بدأ منه يدعى السرطان البدئي Primary cancer. أما المكان الذي ينتقل السرطان إليه ثم يأخذ بالنمو فيه فيدعى السرطان الثانوي Secondary cancer أو النَّقِيلة Metastasis. السرطان الذي ينتقل إلى مكان آخر من الجسم يدعى السرطان النقائلي (أي السرطان المنتشر) Metastatic cancer.
كيف ينتشر السرطان؟
لكي ينتشر السرطان، يجب على بعض الخلايا السرطانية أن تنفصل عن الورم البدئي وتهاجر إلى جزء آخر من أجزاء الجسم وتبدأ بالنمو هناك. لا تلتصق الخلايا السرطانية ببعضها البعض بشكل جيد كما تفعل الخلايا الطبيعية، كما أنها تنتج مواداً تحرّضها على الانتقال. ولكن كيف تنتقل الخلايا السرطانية عبر الجسم ؟
توجد ثلاث طرق رئيسية ينتشر السرطان من خلالها:
• الانتشار الموضعي Local spread (تحدثنا عنه في الحلقة الماضية).
• الانتشار عبر الدوران الدموي Blood circulation.
• الانتشار عبر الجهاز اللمفاوي Lymphatic system.
الانتشار (الغزو/الارتشاح) الموضعي Local spread:
ينمو السرطان مباشرة ضمن النسج القريبة المحيطة به.
الانتشار عبر الدوران الدموي:
حتى يحدث هذا النوع من الانتشار يجب على الخلية السرطانية أن تنفصل عن الورم البدئي أولاً، ثم عليها أن تتحرك عبر جدار الوعاء الدموي لتصل إلى مجرى الدم . (الصورة 1)
عندما تصل الخلية السرطانية إلى مجرى الدم تنجرف معه إلى أن تلتصق في مكان ما، عادةً في الشعريات الدموية بالغة الصغر، ثم عليها أن تتحرك عبر جدار الشعريات الدموية لتصل إلى النسيج المحيط بها لتبدأ هناك بالتكاثر من جديد.
وكما نلاحظ فإنّها رحلة معقدة، إذ أنّ معظم الخلايا السرطانية لا تبقى على قيد الحياة. ربما من بين المئات من الخلايا السرطانية، تبقى واحدة فقط وتقوم بتشكيل السرطان الثانوي أو النقيلة (جمعها نقائل).
بعض الخلايا السرطانية تُقتَل غالباً بواسطة الكريات البيض في جهازنا المناعي. وربما تموت الخلايا السرطانية الأخرى نتيجة سحقها أو انحلالها في الدفق الدموي السريع.
قد تحاول الخلايا السرطانية وهي ضمن المجرى الدموي أن تلتصق بالصفيحات platelets وتتكتّل معها لتحمي نفسها من الانحلال. وهذه الطريقة تساعدها على الارتشاح في شبكة الشعريات التالية التي ستمرّ عبرها، وبذلك يمكنها الانتقال إلى الأنسجة لتبدأ بتشكيل السرطان الثانوي .
الانتشار عبر الجهاز اللمفاوي:
تنتقل الخلايا السرطانية عبر الأوعية اللمفاوية بطريقة مشابهة جداً لانتشارها عبر الأوعية الدموية. على الخلية السرطانية أن تنفصل عن السرطان البدئي لتنتقل عبر الأوعية اللمفاوية، حتى تلتصق في القنوات الصغيرة الموجودة ضمن العقدة اللمفاوية Lymph node لتبدأ هناك بالنمو من جديد وتشكّل سرطاناً ثانوياً.
لماذا تنتشر السرطانات في أماكن معيّنة دون سواها؟
سواء كانت الخلايا السرطانية في الدم أو اللمف فإنها تتوقف عند أول مكان تلتصق به. في الدم يحدث ذلك غالباً في أول شبكة شعرية تمر الخلايا عبرها. معظم أعضاء الجسم يسير الدم منها إلى الشعريات الدموية في الرئتين، لذلك من غير المستغرب أن الرئة هي أشيع مكان ينتشر إليه السرطان.
من جهة أخرى يسير الدم الذي يخرج من أعضاء جهاز الهضم إلى الشعريات الدموية في الكبد قبل أن يذهب إلى القلب ومنه إلى الرئتين. لذلك من الشائع أن تنتشر سرطانات الجهاز الهضمي إلى الكبد، الذي يُعدّ ثاني أشيع مكان للنقائل السرطانية بعد الرئة.
بعض السرطانات لديها أسلوب غير متوقّع في الانتشار، فعلى سبيل المثال، غالباً ما ينتشر سرطان البروستات إلى العظام.
غالباً ما يتم احتجاز الخلايا السرطانية في مجموعة العقد اللمفاوية القريبة من الورم. يقوم الجرّاح أثناء جراحة الورم بإزالة العقد اللمفاوية الأساسية القريبة من الورم. (مثال: في جراحة سرطان الثدي حيث تزال العقد اللمفاوية القريبة).
تسمّى أول عقدة ينزح إليها اللمف من الورم بالعقدة اللمفاوية الحارسة Sentinel lymph node. بعد استئصال العقدة الحارسة يرسلها الجرّاح إلى المخبر للتأكد من وجود الخلايا السرطانية فيها. إن ارتشاح السرطان في العقد اللمفاوية من عدمه يعطي الطبيب معلومات عن الحاجة لعلاجات متمّمة أخرى .
النقائل المجهرية Micrometastates:
النقائل المجهرية هي عبارة عن نقائل صغيرة جداً لدرجة أننا لا نستطيع كشفها بالمسح .
القليل من أنواع السرطان تطلق بروتينات معينة يمكن كشفها بتحاليل الدم، وهذه التحاليل تعتبر مؤشراً على وجود نقائل مجهرية لا تظهر بالتصوير والمسح. إلا أن معظم السرطانات لا يوجد لها تحاليل دموية نعرف من خلالها إن انتشر السرطان أم لم ينتشر.
هذه المعلومات مهمة، إذ أنّ احتمالية وجود نقائل مجهرية سيجعل الطبيب يستخدم علاجات أكثر؛ كيماوية أو إشعاعية أو بيولوجية أو هرمونية. يدعى العلاج الذي يعطى بعد الجراحة العلاج المساعد Adjuvant treatment، ويفيد في قتل الخلايا السرطانية المتبقية قبل أن تصبح أكبر بحيث تصبح ظاهرة على التصوير أو المسح.
يدعو بعض الأطباء هذا العلاج بـ "الحزام والحمّالة Belt and Braces"!!! وبكلمات أخرى، نعطي العلاج لنتأكّد من أنّ السرطان لن يعود مجدّداً. لكن لا أحد يعرف على وجه التأكيد بأن الخلايا السرطانية قد قُتلت عند إنهاء العلاج، أو أنّ السرطان انتشر في مكانه الأصلي.
إنّ عدم اليقين هذا يجعل التعامل مع السرطان أمراً صعباً على كثير من الناس، حتى عندما يبدو لهم أن العلاج تم بنجاح.
المصدر:
هنا
شكل يوضح كيف تدخل الخلايا السرطانية إلى مجرى الدم.
خلايا طبيعية
خلية سرطانية تنسلّ عبر الشعرية الدموية لتنتقل إلى نسج الجسم
تعليقات